مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ، | العمرُ ما تمَّ بهِ السرورُ ! |
أيامُ عزي ، ونفاذِ أمري | هي التي أحسبها منْ عمري |
مَا أجْوَرَ الدّهْرَ عَلى بَنِيهِ! | وأغدرَ الدهرَ بمنْ يصفيهِ ! |
لوْ شئتُ مما قدْ قللنَ جدَّا | عَدَدْتُ أيّامَ السّرُورِ عَدّا |
أنعتُ يوماً ، مرَّ لي بـ " الشامِ " ، | ألذَّ ما مرَّ منَ الأيامِ |
دَعَوْتُ بِالصَّقّارِ، ذاتَ يَوْمِ، | عندَ انتباهي ، سحراً من نومي |
قلتُ لهُ : اخترْ سبعة ً كباراً | كُلٌّ نَجِيبٌ يَرِدُ الغُبَارَا |
يَكُونُ لِلأرْنَبِ مِنْهَا اثْنَانِ، | وخمسة ٌ تفردُ للغزلانِ |
وَاجْعَلْ كِلابَ الصّيْدِ نَوْبَتَينِ | ترسلُ منها اثنينِ بعدَ اثنين |
و لاَ تؤخرْ أكلبَ العراضِِ! | فَهُنّ حَتْفٌ لِلظِّبَاءِ قَاضِ |
ثم تقدمتُ إلى الفهادِ | وَالبَازيَارِينَ بِالاسْتِعْدَادِ |
وقلتُ : إنًَّ خمسة ً لتقنعُ | وَالزُّرّقَانِ: الفَرْخُ وَالمُلَمَّعُ |
و أنتَ ، يا طباخُ ، لا تباطا! | عجلْ لنا اللباتِ والأوساطا ! |
ويا شرابي البلقسياتِ | تَكُونُ بِالرّاحِ مُيَسَّرَاتِ |
بِالله لا تَسْتَصْحِبُوا ثَقِيلا! | واجتنبوا الكثرة َ والفضولا ! |
ردوا فلاناً ، وخذوا فلانا! | وَضَمّنُوني صَيْدَكُمْ ضَمَانَا! |
فاخترتُ ، لمَّـا وقفوا طويلا، | عشرينَ ، أو فويقها قليلا |
عِصَابَة ٌ، أكْرِمْ بِهَا عِصَابَهْ، | معروفة ٌ بالفضلِ والنجابه |
ثُمّ قَصَدْنَا صَيْدَ عَينِ قَاصِرِ | مَظِنّة َ الصّيْدِ لِكُلّ خَابِرِ |
جئناهُ والشمسُ ، قبيلَ المغربِ | تَختالُ في ثَوْبِ الأصِيلِ المُذهَب |
وَأخذَ الدُّرّاجُ في الصّيَاحِ، | مُكْتَنِفاً مِنْ سَائِرِ النّوَاحي |
في غَفْلَة ٍ عَنّا وَفي ضَلالِ، | ونحنُ قد ْ زرناهُ بالآجالِ |
يَطْرَبُ للصُّبْحِ، وَلَيسَ يَدرِي | أنَّ المنايا في طلوعِ الفجرِ |
حَتى إذَا أحْسَسْتُ بِالصّبَاحِ | ناديتهمْ : " حيَّ على الفلاحِ ! " |
نحنُ نصلي والبزاة ُ تخرجُ | مُجَرَّدَاتٍ، وَالخُيُولُ تُسْرَجُ |
فقلتُ للفهادِ : فامضِ وانفردْ | وَصِحْ بنا، إنْ عنّ ظبيٌ، وَاجتَهِدْ |
فلمْ يزلْ ، غيرَ بعيدٍ عنا ، | إليهِ يمضي ما يفرُّ منا |
وَسِرْتُ في صَفٍّ مِنَ الرّجالِ، | كَأنّمَا نَزْحَفُ لِلْقِتَالِ |
فما استوينا كلنا حتى وقفْ | لَمّا رَآنَا مَالَ بِالأعْنَاقِ |
ثمَّ أتاني عجلاً ، قالَ : ألسبقْ ! | فقُلتُ: إن كانَ العِيانُ قد صَدَقْ |
سِرْتُ إلَيْهِ فَأرَاني جَاثِمَهْ | ظَنَنْتُهَا يَقْظَى وكَانَتْ نائِمَهْ |
ثُمّ أخَذتُ نَبَلَة ً كانَتْ مَعي، | وَدُرْتُ دَوْرَيْنِ وَلَمْ أُوَسَعِ |
حتى تمكنتُ ، فلمْ أخطِ الطلبْ ، | لكلِّ حتفٍ سببٌ منَ السببْ |
وَضَجّتِ الكِلابُ في المَقَاوِد، | تَطْلُبُهَا وَهْيَ بِجُهْدٍ جَاهِدِ |
وَصِحْتُ بِالأسْوَدِ كَالخُطّافِ | ليسَ بأبيضٍ ولا غطرافِ |
ثمَّ دعوتُ القومَ : هذا بازي ! | فأيكم ْ ينشطُ للبرازِ ؟ |
فقالَ منهمْ رشأٌ : " أنا ، أنا! " | وَلَوْ دَرَى مَا بِيَدي لأذْعَنَا! |
فَقُلْتُ: قَابِلْني وَرَاءَ النّهْرِ، | أنْتَ لِشَطْرٍ وَأنَا لِشَطْرِ! |
طارتْ لهُ دراجة ٌ فأرسلا | أحْسَنَ فِيهَا بَازُهُ وَأجمَلا |
عَلَّقَهَا فَعَطْعَطُوا، وَصَاحُوا، | و الصيدُ منْ آلتهِ الصياحُ ! |
فقلتُ : ما هذا الصياحُ والقلقْ ؟ | أكُلُّ هذا فَرَحٌ بِذا الطَّلَقْ؟ |
فقالَ : إنَّ الكلبَ يشوي البازا | قَد حَرَزَ الكَلْبُ، فَجُزْ، وَجَازَا |
فلمْ يزلْ يزعقُ : يا مولائي ! | وَهْوَ كَمِثْلِ النّارِ في الحَلْفَاءِ |
طارتْ ، فأرسلتُ فكانتْ سلوى | حَلّتْ بِهَا قَبْلَ العُلُوّ البَلْوَى |
فَمَا رَفَعْتُ البَازَ حَتى طَارَا | آخَرُ عَوْداً يُحْسِنُ الفِرَارَا |
أسودُ ، صياحٌ ، كريمٌ ، كرَّزُ ، | مُطرَّزٌ، مُكَحَّلٌ، مُلَزَّزُ |
عليهِ ألوانُ منَ الثيابِ | مِنْ حُلَلِ الدّيبَاجِ وَالعُنّابي |
فلمْ يزلْ يعلو وبازي يسفلُ | يحرزُ فضلَ السبقِ ليسَ يغفلُ |
يَرْقُبُهُ مِنْ تَحْتِهِ بِعَيْنِهِ، | وَإنّمَا يَرْقُبُهُ لِحيْنِه |
حتى إذا قاربَ ، فيما يحسبُ ، | معقلهُ ؛ والموتُ منهُ أقربُ |
أرْخَى لَهُ بِنَبْجِهِ رِجْلَيْهِ، | والموتُ قدْ سابقهُ إليهِ |
صِحْتُ وَصَاحَ القَوْمُ بالتّكْبيرِ، | وغيرنا يضمرُ في الصدورِ |
ثمّ تَصَايَحْنَا فَطَارَتْ وَاحِدَهْ | شيطانة ٌ منْ الطيورِ ماردهْ |
من قربٍ فأرسلوا إليها | وَلَمْ تَزَلْ أعْيُنُهُمْ عَلَيْهَا |
فَلَمْ يُعَلِّقْ بَازُهُ وَأدّى | مِنْ بَعْدِ مَا قَارَبَهَا وَشَدّا |
صحتُ : أهذا البازُ أمْ دجاجهْ ؟ | ليتَ جناحيهِ على دراجهْ |
فاحمرتِ الأوجهُ والعيونُ | وَقَالَ: هَذا مَوْضِعٌ مَلْعُونُ |
إنْ لزَّها البازُ أصابتْ نبجا | أوْ سقطتْ لمْ تلقَ إلاَّ مدرجا |
اعدلْ بنا للنبجِ الخفيفِ | وَالمَوْضِعِ المُنْفَرِدِ المَكْشُوفِ |
فقثلتُ : هذي حجة ٌ ضعيفة ْ | وغرَّة ٌ ظاهرة ٌ معروفهْ |
نحنُ جميعاً في مكانٍ واحدِ ، | فَلا تُعَلِّلْ بِالكَلامِ البَارِدِ! |
قصَّ جناحيهِ يكنْ في الدارِ | معَ الدباسي ، ومعَ القماري ! |
وَاعْمِدْ إلى جُلْجُلِهِ البَدِيعِ، | فاجعلهُ في عنزٍ منَ القطيعِ! |
حتى إذا أبْصَرْتُهُ، وَقد خَجِلْ، | قُلتُ: أرَاهُ، فارِهاً، على الحَجَلْ |
دعهُ ، وهذا البازُ فاطردْ بهِ | تَفَادِياً مِنْ غَمّهِ وَعَتْبِهِ! |